لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
82568 مشاهدة
أقسام الناس في الشفاعة

 بعد ذلك ذكر الشفاعة، والناس في الشفاعة ثلاثة أقسام المشركون، والمعتزلة، وأهل السنة.
القسم الأول: المشركون القبوريون, يقولون: إن الأولياء وإن السادة يشفعون لأقاربهم، ولمن دعاهم، ولمن والاهم، ولمن أحبهم، ولأجل ذلك يطلبون منهم الشفاعة، فالمشركون الأولون حكى الله عنهم أنهم قالوا: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ (يونس:18) يعنون: معبوداتهم من الملائكة، ومن الصالحين، ونحوهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، أي: يشفعون لنا ، وكذلك يقول القبوريون المعاصرون الآن؛ يقولون: إن الأولياء يشفعون لنا، وإننا لا نجرؤ أن نطلب من الله، بل نطلب منهم وهم يطلبون من الله، ويقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء والصالحين أعطاهم الله الشفاعة، ونحن ندعوهم ونقول: اشفعوا لنا كما أعطاكم الله الشفاعة,  ويضربون مثلا بملوك الدنيا فيقولون: إن ملوك الدنيا لا يوصل إليهم إلا بالشفاعة إذا أردت حاجة فإنك تتوسل بأوليائهم ومقربيهم من وزير وبواب وخادم وولد ونحوهم يشفعون لك حتى يقضي ذلك الملك حاجتك ، فهكذا نحن مع الله تعالى نتوسل ونستشفع بأوليائه وبالسادة المقربين عنده ! هذا قول المشركين، يثبتون شفاعة كل ولي من الأولياء لكل من طلبها منه، وقد وقعوا بهذا في شرك الأولين، وقاسوا الخالق بالمخلوقين, والله تعالى ذكر عن مؤمن يس قوله تعالى: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا (يس:23) وذكر الله - تعالى - أن الكفار اعترفوا على أنفسهم بقولهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (المدثر:43-48).
القسم الثاني: المعتزلة والخوارج , أنكروا الشفاعة لأنهم يعتقدون أن العصاة وأهل الكبائر مخلدون في النار لا يخرجون منها، وأن كل من عمل كبيرة ومات مصرًّا عليها فهو مخلدٌ لا تغني عنه الشفاعة ولا تنفعه ، ويستدلون بالآيات التي فيها نفي الشفاعة مثل قوله تعالى : لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ (البقرة:123) ومثل قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ (البقرة:254) ويقولون: هذه الآيات تنفي الشفاعة، فليس هناك شفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لغيره ، هذا ما قاله المعتزلة والخوارج بناءً على تخليدهم أهل الكبائر في النار.
القسم الثالث: أهل السنة, يثبتون الشفاعة ولكن بشرطين:
الشرط الأول: الإذن للشافع.
الشرط الثاني: الرضا عن المشفوع, جمع الله الشرطين في قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (النجم:26) وذكر الإذن في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة:255) وفي قوله تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ (سبأ:23) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه:109) وقد تكون هذه الآية جمعت الشرطين، وذكر الرضا في قوله تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (الأنبياء:28) فهذان شرطان للشفاعة، وهي الشفاعة المثبتة: الإذن للشافع، والرضا عن المشفوع له ، والإذن يكون للأنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الناس إذا طلبوا منه الشفاعة لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد حتى يقال له: ارفع رأسك وسَلْ تُعْطَ ، واشفع تُشفَّع قال: فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب ... الحديث, هذا دليل على أنه لا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله له,  وأما الرضا فإن الله لا يرضى عن الكفار كما في قوله تعالى: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ (الزمر:7) فإذا كان لا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى الشرك ، فلا يأذن في الشفاعة للكفار، ولا يأذن في الشفاعة للمشركين؛ فالشفاعة خاصة بالموحدين، وحقيقتها أن الله - تعالى - يكرم أولياءه وأنبياءه لينالوا المقام المحمود ويقول سبحانه وتعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ... الحديث . فيحصل منها تكريم الشافع ورفع منزلته ، وأنه يؤتى المقام المحمود الذي وعده الله بقوله تعالى : عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (الإسراء:79) فمن يشفع تعرف منزلتهم وفضيلتهم ، كذلك يحصل منها رحمة المشفوع لهم ، وإخراجهم من العذاب ، تلك فائدة هذه الشفاعة.